منتديات اسف لاننى احببتك بصدق
المدير العام مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
منتداكم " الوان

منتديات اسف لاننى احببتك بصدق
المدير العام مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
منتداكم " الوان

منتديات اسف لاننى احببتك بصدق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات اسف لاننى احببتك بصدق

منتديات للجميع منتديات اكثر من رائعة
 
دخولالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيل

  


 

 رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
خالد الادريجي
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif



عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 30/11/2008

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم   رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Icon_minitimeالأحد نوفمبر 30, 2008 2:53 am

مصعب بن عمير - أول سفراء الاسلام


[size=16]هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.

غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..

يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..

ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.

ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..

ذلك الفتر الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة، ولؤلؤة ندواتها
ومجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء..؟

بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.

انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..

ولكن أي واحد كان..؟

ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..

لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..

"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.



وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول
عليه الصلاة والسلام ودينه، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا
الحديث.

ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة
أن يكون مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال
"ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..



ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا عن فضول
قريش وأذاها.. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به
التردد، ولا التلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه
أشواقه ورؤاه...

هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير.



ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على
شفتيه، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في
تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!

ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر
المتوهج، والفؤاد المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح
البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه
وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!



**



كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب الى حد الرهبة..

ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه.

فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها، استحالت هولا يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب الى حين..

أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!

ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.

وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو
قرير العين بايمانه، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا..



ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها
على كل طريق، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية..

ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة
أخرى وهو سصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء
وزوابعها، شاخصا الى أم مصعب، حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...



ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في
يقين الحق وثباته، القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم، ويملؤها به حكمة
وشرفا، وعدلا وتقى.

وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما
لبثت أم استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض
الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع..

ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في مقدرتها أ، تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..

وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه
اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض
الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة
مهاجرا أوّابا..



ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين، ثم يعود معهم الى مكة، ثم
يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة
فيطيعون.

ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في
كل مكان وزمان، ولقد فرغ من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي
أعطاهم محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن
تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم..



خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..

ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا..

وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال:

" لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!



لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة..
وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها، حتى ولو يكون هذا
الانسان ابنها..!!

ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..

وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فودعته باكية، وودعها باكيا..

وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على
الايمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجهمن بيتها: اذهب لشأنك، لم
أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه اني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي
بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"...

أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف غقلي"..!!

وخرج مصعب من العنمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة..
وأصبح الفتى المتأنق المعطّر، لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما،
ويجوع أياماو ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، والمتألقة بنور الله، كانت
قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

**



وآنئذ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى
المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل
غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..

كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها، وأقرب من
الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير، وهو يعلم أنه يكل اليه
بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون
دار الهجرة، ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان
قريب..

وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم
الخلق، ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه، فدخلوا في
دين الله أفواجا..



لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم
الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة، ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر
حتى استجابوا لله وللرسول..!!

وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة
للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا
ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم "مصعب ابن عمير".

لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها.ز عرف أنه داعية الى الله
تعالى، ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى، والى صراط مستقيم. وأنه
كرسوله الذي آمن به، ليس عليه الا البلاغ..



هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبويت
والمجالس، تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه، هاتفا بينهم في رفق
عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد)..

ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه..



ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل
بالمدينة، فاجأه شاهرا حربتهو يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن
قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم، ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من
قبل، ولم يألفوه من قبل..!

ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمهاو اذا حتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه
ساعيا اليها، فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..



أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم، فما أحد يعرف مكانه، ولا أحد يستطيع أن يراه..!!

وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا
غضبه المتلظي، وثورته المتحفزة، حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا
وديعا، متهللا..

وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:

"ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!

وفي مثل هدوء البحر وقوته..

وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:

"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".

الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!



كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى
ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع، تركه لاقتناعهو وان لم يقتنع
ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم، وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا
مضارّ..

هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..

ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله
عليه الصلاة والسلام، حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع
الكلم، وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:

"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟

وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا، ثم قال له مصعب:

"يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله".
محمدا رسول الله..

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خالد الادريجي
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif



عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 30/11/2008

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم   رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 12, 2008 11:47 pm

سلمان الفارسي - الباحث عن الحقيقة



من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة..

ومن بلاد فارس، عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان، وفي العلم.. في الدين، وفي الدنيا..



وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمائه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في اعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّ: كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فاذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..

واذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل، والارادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد..!!

ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها..

وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى.



كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.

ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى..!

وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.

وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.

وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى:

(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).



أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه..

وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها.

انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح..

ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..

وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..

وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟

هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا.



تقدّم سلمان الفارسي وألأقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.

وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.

والله يعلم ، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها..

ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!

[b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خالد الادريجي
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif



عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 30/11/2008

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم   رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 15, 2008 11:48 pm

أبو ذر الغفاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات


أقبل على مكة نشوان مغتبطا..

صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم، بيد أن الغاية التي يسعى اليها، أنسته جراحه، وأفاضت على روحه الحبور والبشور.

ودخلها متنكرا، كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام.. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه، أو طال به السفر والارتحال فأوى اليها يستريح ويتزوّد.

فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويستمع اليه لفتكوا به.

وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به، ولكن بعد أن يقابل الرجل الي قطع الفيافي ليراه، وبعد أن يؤمن به، ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته..

ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد، وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر، حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد، وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه.

في صبيحة يوم ذهب الى هناك، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالاسا وحده، فاقترب منه وقال: نعمت صباحا يا أخا العرب..

فأجاب السول عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام يا أخاه.

قال أبو ذر:أنشدني مما تقول..

فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم.

قال أ[و ذر: اقرأ عليّ..

فقرأ عليه الرسول، وأ[و ذر يصغي.. ولم يمضي من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر:

"أشهد أن لا اله الا الله.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"!

وسأله النبي: ممن أنت يا أخا العرب..؟

فأجابه أبو ذر: من غفار..

وتألقت ابتسامة على فم السول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه الدهشة والعجب..

وضحك أبو ذر كذلك، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالاسلام أمامه انما هو رجل من غفار..!!

فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأو في قطع الطريق..!!

وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع.. انهم حلفاء الليل والظلام، والويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار.

أفيجيء منهم اليوم، والاسلام لا يزال دينا غصّا مستخفيا، واحد ليسلم..؟!



يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه:

".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا، لما كان من غفار، ثم قال: ان الله يهدي من يشاء.

ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى، وأراد بهم الخير.

وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى، وأراد بهم الخير.

وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين كلنوا يتألهون في الجاهلية، أي يتمرّدون على عبادة الأصنام، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم. وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصناك وعبّادها، ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار، حتى حث اليه الخطى، وشدّ الرحال.



**



أسلم أبو ذر من فوره..

وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس..

اذن، هو قد أسلم في الأيام الأولى، بل الساعات الأولى للاسلام، وكان اسلامه مبكرا..

وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا.. يهمس بها الى نفسه، والى الخمسة الذين آمنوا معه، ولم يكن أمام أبي ذر الا أن يحمل ايمانه بين جنبيه، ويتسلل به مغادرا مكة، وعائدا الى قومه...

ولكن أبا ذر، جندب بن جنادة، يحمل طبيعة فوارة جيّاشة.

لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون.. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه.. حجارة مرصوصة، ميلاد عابديها أقدم من ميلادها، تنحني أمامها الجباه والعقول، ويناديها الناس: لبيك.. لبيك..!!

وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبل أن يرحل.

لقد توجه الى الرسول عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال:

يا رسول الله، بم تأمرني..؟

فأجابه الرسول: ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري..

فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد..!!

ألم أقل لكم..؟؟

تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة، أفي اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به، وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع الى أهله صامتا.؟

هذا أمر فوق طاقته..

هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته:

[أشهد أن لا اله الا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله]...



كانت هذه الصيحة أول صيحة بالاسلام تحدّت كبرياء قريش وقرعت أسماعها.. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى..

ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه.. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه..

وترامى النبأ الى العباس عم النبي، فجاء يسعى، وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم الا بالحيلة لذكية، قال له:

"يا معشر قريش، أنتم تجار، وطريقكم على غفار،، وهذا رجل من رجالها، ان يحرّض قومه عليكم، يقطعوا على قوافلكم الطريق".. فثابوا الى رشدهم وتركوه.

ولكن أبا ذر، وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله، لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد...!!

وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم، يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف، واثلة) ودعوانهما، حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان، ويهرول الرجال كالجراد، ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه..

وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله". ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه..



**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abo-yazan
نائب المدير العام
نائب المدير العام
abo-yazan


ذكر
عدد الرسائل : 87
العمر : 44
العمل/الترفيه : طبيب عام
تاريخ التسجيل : 11/01/2009

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم   رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Icon_minitimeالإثنين يناير 26, 2009 3:56 am

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم DIWANI9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الـــــــــزعـــــــيـــم
\\\\\\\\\\\\\\\\\
\\\\\\\\\\\\\\\\\
الـــــــــزعـــــــيـــم


رقم العضوية : 1000
ذكر
عدد الرسائل : 93
العمر : 43
تاريخ التسجيل : 01/11/2008

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم   رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Icon_minitimeالثلاثاء يناير 27, 2009 2:55 am

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم 98e1324cc6
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://alwan.allgoo.net
خالد الادريجي
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif
http://www.tarooti.net/upfiles/Wn867742.gif



عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 30/11/2008

رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم   رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم Icon_minitimeالخميس ديسمبر 10, 2009 10:05 pm

خالد بن
الوليد - لا ينام ولا يترك أحدا ينام





ان أمره لعجيب..!!

هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية
الأيام..!!

ألا فلنأت على قصته من البداية..

ولكن أية بداية..؟؟

انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي
صافح فيه الرسول مبايعا..
ولو استطاع لنحّى عمره وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين،
وأيام..

فلنبدأ معه اذنمن حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع
فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن، وكلتا
يديه يمي، فنفجّرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد
عظيم في سبيل الحق، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في
أيامه الخاليات..


لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد
الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا، وتمنّى على الله
علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده
الذكي بشائر اليقين، فقال:

" والله لقد استقام المنسم....

وان الرجل لرسول..

فحتى متى..؟؟

أذهب والله، فأسلم"..

ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول
الله عليه الصلاة والسلام، وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ
مكانه في قافلة المؤمنين:

".. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي
أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا
بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم،

قلنا: وبك..

قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي
ليسلم.

فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما
اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة
فردّ على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق..

فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير..

وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن
سبيل الله..

فقال: ان الاسلام يجبّ ما كان قبله..

قلت: يا رسول الله على ذلك..

فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن
سبيلك..

وتقدّم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول
الله"...


أرأيتم قوله للرسول:" استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن
سبيل الله"..؟؟

ان الذي يضع هذه العبارة بصره، وبصيرته، سيهتدي الى فهم صحيح
لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام..

وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة
دليلنا لفهمها وتفسيرها-..

أما الآن، فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة
الخيل فيها، لنرى داهية العرب كافة في دنيا الكرّ والفرّ، يعطي
لآلهة أبائه وأمجاد قومه ظهره، ويستقبل مع الرسول والمسلمين
عالما جديدا، كتب الله له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة
التوحيد..

مع خالد اذن وقد أسلم، لنرى من أمره عجبا..!!!!


أتذكرون أنباء الثلاثة شهداؤ أبطال معركة مؤتة..؟؟

لقد كانوا زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة..

لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد
لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء
منقطع النظير..

وتذطرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله
عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:

" أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.

ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا..

ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا".

كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة، ادّخرناها
لمكانها على هذه الصفحات..

هذه البقيّة هي:

" ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه".

فمن كان هذا البطل..؟


لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا
تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش: زيد،
وجعفر وعبدالله ابن رواحة، والذين اساشهدوا بنفس الترتيب على
ارض المعركة الضارية..

وبعد سقوط آخر القواد شهيدا، سارع الى اللواء ثابت بن أقوم
فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا بعثر الفوضى
صفوفه..

ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن
الوليد، قائلا له:

" خذ اللواء يا أبا سليمان"...

ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما
فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..

أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير!!

هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم:

" لا آخذ اللواء، أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..

وأجابه ثابت:" خذه، فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته
الا لك".

ثم نادى في المسلمين: اترضون امرة خالد..؟

قالوا: نعم..

واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما
يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاحب سيقطعه
البطل وثبا..

في حياة الرسول وبعد مماته، حتى تبلغ المقادير بعبقريته
الخارقة أمرا كان مقدورا...

ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد.
فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته
الساحقة كاسح، ظافر مدمدم..

ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا، فتجعل
المغلوب غالبا، والغالب مغلوبا..

وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه، هو وقف
الخسائر في جيش الاسلام، والخروج ببقيته سالما، أي الانسحاب
الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض
المعركة.

بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان..

ولكن، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع
قلبا من خالد، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!


هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني
الصقر، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه،
والقتال دائر، الى مجموعات، ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها..
وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم
ثغرة فسيحة واسعة، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى. بعد
أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها
من زوال...!!

وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..


وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحرك
المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..

وعلى الجناح الأيمن من الجيش، يجعل الرسول خالدا أميرا..

ويدخل خالد مكة، واحدا من قادة الجيش المسلم، والأمة المسلمة
بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قوّاد جيش الوثنية
والشرك زمنا طويلا..

وتخطر له ذكريات الطفولة، حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات
الشباب، حيث ملاهيه الصاخبة..

ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا
خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..


وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تحت تحت روعة المشهد وجلاله..

مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب
والهول، يعودون الى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا، يعودون
اليه على صهوات جسادهم الصاهلة، وتحت رايات الاسلام الخافقة..
وقد تحوّل همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس،
الى تكبيرات صادعة رائعة ترجّ مكة رجّا، وتهليلات باهرة ظافرة،
يبدو الكون معها، وكأنه كله في عيد...!!

كيف تمّت المعجزة..؟
أي تفسير لهذا الذي حدث؟


لا شيء الا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط
تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين:

(وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!!


ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في اجلال وغبطة وحبور رايات
الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه:

أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!

ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم
الفتح العظيم هذا، واحدا من الذين يحملون راية الاسلام الى
مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام..


ويظل خالد الى جانب رسول الله، واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة
الدين الذي آمن به من كل يقينه، ونذر له كل حياته.


وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى، ويحمل أبو بكر مسؤولية
الخلافة، وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة، مطوقة الدين الجديد
بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول
وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. ألي سليمان، سيف الله، خالد
بن الوليد..!!

وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو
بنفسه، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم الفصل، وأن
خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا،
كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..


عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة، صمم
الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه، ووقف
زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم. ولكنه
ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس
لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة، لا يؤكدها في رأيه الا
اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى
الايمان، وبين جيوش الضلال والردة، والا قيادته المباشرة لبعض
أو لكل القوات المسلمة..

ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم من أنها
بدأت وكأنها تمرّد عارض..


لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم
النادرة، سواء بين قبائل العرب، أم على الحدود، حيث يجثم سلطان
الروم والفرس، هذا السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الاسلام الأكبر
عليه، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!

ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء،
وذبيان..

ثم في قبائل: بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم..

ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها
عشرات الألوف من المقاتلين..

واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، وواجه
الاسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا..
ولكن، كان هناك أبو بكر..!!


عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس،
وبني مرّة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..

ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..

ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة
للمعركة التالية..


وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج
أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني، ولكن كبار الصحابة يفرغ
صبرهم، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي
طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام
جيشه الزاحف فيقول له:

" الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟

اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:

لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."

وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة
وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..

وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..

ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:

" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو
العشيرة، خالد ابن الوليد، سيف من سيوف الله. سلّه الله على
الكفار والمنافقين"..


ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر
الى مصر حتى كانت المعركة الفاصلة..


فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد
جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب.

وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم
تبلغ منه منالا..

وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار
خالد..

ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد
تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا..


والتقى الجيشان:

وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ، سير تلك المعركة الهائلة،
تأخذك رهبة مضنية، اذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها
زجبروتها معارك حروبنا الحديثة، وان تلّفت في نوع السلاح وظروف
القتال..

ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في
خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!


وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار
القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت
بها عاصفة عنيدة..!!

وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى
على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة..

ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..

رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها
جيش مسيلمة، فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين
جميعا الى أقصاه.. فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد
تنسيق مواقعه على أرض المعركة، ثم صاح بصوته المنتصر:

" امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ".

وامتازوا جميعا..

مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب
على رايتهم".

وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت
الأنفس حماسة، اتّقدت مضاء، وامتلأت عزما وروعة..

وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى
بها امرا، فتتحوّل سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا
معوّق لغاياتها..

وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة
يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة
فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!


لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلّت روحه في جيشه
جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة..

وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة..

وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت تحت التراب الى الأبد
راية الدّعيّ الكذاب..


وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر، اذ
منحهم هذا النصر، وهذا البطل..

وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة
وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله..
الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام..

امبرطوريتان خرعتان، تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة
وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب، بل وتسخرهم،
وأكثرهم عرب، لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين
الجديدة، يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله، ويجتثون عفنه
وفساده..!

هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي
بجيشه صوب العراق..

ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع
مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا.

لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى
ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..

" بسم الله الرحمن الرحيم

من خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس..

يلام على من اتبع الهدى

أما بعد، فالحمد لله الذي فضّ خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم

من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له
ما لنا وعليه ما علينا

اذا جاءكم كتابي فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة

والا، فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما
تحبون الحياة"..!!


وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّخوف الكثيرة
التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق، فلم يضيّع وقته، وراح
يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيّا عجيبا.

في الأبلّة، الى السّدير، فالنّجف، الى الحيرة، فالأنبار،
فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ به
رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء
والمستعبدون.

أجل، الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس
يستعمرونهم، ويسومونهم سوء العذاب..

وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع
قوّاته:

" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، الا أن
يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين".

وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم
الشام..

وهناك دوّت أصوات المؤذنين، وتكبيرات الفاتحين.

ترى هل سمع الروم في الشام..؟

وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم، وعالمهم..؟

أجل لقد سمعوا.. وفزّعوا.. وقرّروا أن يخوضوا في حنون معركة
اليأس والضياع..!


كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر
مثله على الروم في الشام..

فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من
القادة المهرة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن
أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان..

وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه
وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..

بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا:

" والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا"..

وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل، وأ{بعين ألفا.

وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال
أبو بكر:

" والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"..!!!

وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك، تلقى
أمر الخليفة بالزحف الى الشام، ليكون أميرا على جيوش الاسلام
التي سبقته اليها..

وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع، فترك على العراق المثنّى بن
الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين
بأرض الشام، وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق
مواقعه في وقت وجيز، وبين يدي المعركة واللقاء، وقف في
المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه:

" ان هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..

أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاور الامارة،
فيكون أحدنا اليوم أميرا، والآخر غدا، والآخر بعد غد، حتى
يتأمّر كلكم"...

هذا يوم من أيام الله..

ما أروعها من بداية..!!

لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..

وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!


ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار، فعلى الرغممن
أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه، فانه لم يشا أن
يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم
في الامارة وجعلها دولة بينهم..

اليوم أمير، ودغا أمي رثان.. وبعد غد أمير آخر..وهكذا..

كان جيش الروم بأعداده وبعتاده، شيئا بالغ الرهبة..

لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين، وأن تطاول
القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما، من أجل ذلك
قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على
العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود، وما من شك أن المسلمين
أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا
وخوفا..

ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات،
فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه..!!


ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال
جدّ خبير:

" خالد لها".!!

وقال:" والله، لأشفينّ وساوسهم بخالد".

فليأت الروم بكل هولهم، فمع المسلمين الترياق..!!

عبأ ابن الوليد جيشه، وقسمه الى فيالق، ووضع للهجوم والدفاع
خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل اخوانهم
الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها..

ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع، خطوة خطوة، وحركة
حركة، حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة،
لما أخطأ التقدير والحساب..!!

كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..

كا انسحاب تنبأ به فعلوه..

وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا، احتمال قيام بعض
جنود جيشه بالفرار، خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالاسلام،
بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..

وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد، هو الثبات..

وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة، يمكن أن تشيع
في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره...

من أجل هذا، كان صارما، تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا..

وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك، وبعد أن أخذ جيشه
مواقعه، دعا نساء المسلمين، ولأول مرّة سلّمهن السيوف، وأمرهن،
بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:

" من يولّي هاربا فاقتلنه"..

وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!

وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له
بضع كلمات ..

وبرز اليه خالد، حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين
الجيشين..

وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا"

" قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..

فان شئتم، أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير، وكسوة، وطعاما،
وترجعون الى بلادكم، وفي العام القادم أبعث اليكم بمثلها".!!

وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه، وأدرك ما في كلمات قائد
الروم من سوء الأدب..

وقرر أن يردذ عليه بجواب مناسب، فقال له:

" انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب
الدماء، وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم، فجئنا
لذلك"..!!

ولوة البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا
مؤذنا بالقتال..

" الله أكبر"

" هبّي رياح الجنة"..

كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.

ودار قتال ليس لضراوته نظير..

وأقبل الروم في فيالق كالجبال..

وبجا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون..

ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم..

فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه
والقتال دائر ويقول:

" اني قد عزمت على الشهادة، فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه"؟؟

فيجيب أبو عبيدة:

" نعم قل له: يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".

ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى
مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه، ويضرب بآلاف السيوف حتى يرتفع
شهيدا..!!

وهذا عكرمة بن أبي جهل..

أجل ابن أبي جهل..

ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:

" لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني
الله الاسلام، افأفرّ من أعداء الله اليوم"؟؟

ثم يصيح:" من يبايع على الموت"..

فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين، ثم ينطلقون معا الى قلب
المعركة لا باحثين عن النصر، بل عن الشهادة.. ويتقبّل الله
بيعتهم وبيعهم،

فيستشهدون..!!

وهؤلاء آخرون أصيبوا بجراح أليمة، وجيء لهم بماء يبللون به
أفواههم، فلما قدم الماء الى أولهم، أشار الى الساقي أن أعط
أخي الذي بجواري فجرحه أخطر، وظمؤه أشد.. فلما قدّم اليه الامء،
اشار بدوره لجاره. فلا انتقل اليه أشار بدوره لجاره..

وهكذا، حتى.. جادت أرواح أكثرهم ظامئة.. ولكن أنضر ما تكون
تفانيا وايثارا..!!

أجل..

لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها.

ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة، تلك
اللوحة الفذة.. لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد على رأس مائة لا
غير من جنده، ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي،
وخالد يصيح في المائة الذين معه:

" والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد الا ما
رأيتم.

واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم".

مائة يخوضون في أربعين ألف.. ثم ينتصرون..!!

ولكن أي عجب؟؟

أليس مالء قلوبهم ايمان بالله العلي الكبير..؟؟

وايمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟؟

وايمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا، وهدى ونبلا؟


وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه، هذا الذي ترتفع راياته فوق
الدنيا، بينما هو في المدينة’ العاصمة الجديدة للعالم الجديد،
يحلب بيده شياه الأيامى، ويعجن بيده خبز اليتامى..؟؟

وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر، والصفلف،
والبغي، والعدوان، وسيف الله المسلول على قوى التخلّف والتعفّن
والشرك؟؟

أليس ذلك، كذلك..؟

اذن، هبي رياح النصر...

هبّي قويّة عزيزة، ظافرة، قاهرة...


لقد بهرت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم، مما حمل
أحدهم، واسمه جرجح على أن يدعو خالدا للبروز اليه في احدى
فترات الراحة بين القتال.

وحين يلتقيان، يوجه القائد الرومي حديثه الى خالد قائلا:

" يا خالد، أصدقني ولا تكذبني فان الحرّ لا يكذب..

هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه، فلا تسلّه
على أحد الا هزمته"؟؟

قال خالد: لا..

قال الرجل:

فبم سميّت يبف الله"؟

قال خالد: ان الله بعث فينا نبيه، فمنا من صدّقه ومنا من
كذّب.ز وكنت فيمن كذّب حتى أخذ الله قلوبنا الى الاسلام،
وهدانا برسوله فبايعناه..

فدعا لي الرسول، وقال لي: أنت سيف من سيوف الله، فهكذا سميّت..
سيف الله".

قال القائد الرومي: والام تدعون..؟

قال خالد:

الى توحيد الله، والى الاسلام.

قال:

هل لمن يدخل في الاسلام اليوم مثل ما لكممن المثوبة والأجر؟

قال خالد: نعم وأفضل..

قال الرجل: كيف وقد سبقتموه..؟

قال خالد:

لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأينا آياته
ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم في
يسر..

أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه، ثم آمنتم بالغيب، فان
أجركم أجزل وأكبر اا صدقتم الله سرائركم ونواياكم.

وصاح القائد الرومي، وقد دفع جواده الى ناحية خالد، ووقف
بجواره:

علمني الاسلام يا خالد"".!!!

وأسلم وصلى ركعتين لله عز وجل.. لم يصلّ سواهما، فقد استأنف
الجيشان القتال.. وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستيتا
في طلب لبشهادة حتى نالها وظفر بها..!!



وبعد، فها نحن أولاء نواجه العظمة الانسانية في مشهد من أبهى
مشاهدها.. اذ كان خالد يقود جيوش المسلمين في هذه المعركة
الضارية، ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلالا فذا، بقدر
ما هو مضن ورهيب، واذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من
الخليقة الجديد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. وفيه تحيّة
الفاروق للجيش المسلم، نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وتولية أبي عبيدة بن
الجرّاح مكانه..

قرأ خالد الكتاب، وهمهم بابتهالات الترحّم على ابي بكر
والتوفيق لعمر..

ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح لأحد بما فيه وألزمه مكانه
أمره ألا يغادره، وألا يتصل بأحد.

استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر، وأوامر عمر حتى
يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا..

ودقّت ساعة الظفر، واندحر الروم..


وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا اليه تحيّة الجندي لقائده...
وظنها أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي
حققق نصرا لم يكن في السحبان.. بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة
وجدّا، فقبّل خالد بين عينيه، وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه..


وثمّت رواية تاريخية أخرى، تقول: ان الكتاب أرسل من أمير
المؤمنين عمر الى أبي عبيدة، وكتم أبو عبيدة النبأ عن خالد حتى
انتهت المعركة..

وسواء كان الأمر هذا أو ذاك، فان مسلك خالد في كلتا الحالتين
هو الذي يعنينا.. ولقد كان مسلكا بالغ الروعة والعظمة
والجلال..

ولا أعرف في حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلاصه العميق وصدقه
الوثيق، مثل هذا الموقف...


فسواء عليه أن يكون أميرا، أو جنديا..

ان الامارة كالجندية، كلاهما سبب يؤدي به واجبه نحو الله الذي
آمن به، ونحو الرسول الذي بايعه، ونحو الدين الذي اعتنقه وسار
تحت رايته..

وجهده المبذول وهو أمير مطاع.. كجهده المبذول وهو جندي مطيع..!

ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس، كما هيأه لغيره،
طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة المسلمة والدولة
المسلمة يوم ذاك..

أبو بكر وعمر..

اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان، حتى يخطر على البال كل معجز
من فضائل الانسان، وعظمة الانسان..

وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بين عمر وخالد،
فان نزاهة عمر وعدله،وورعه وعظمته الخارقة، لم تكن قط موضع
تساؤول لدى خالد..

ومن ثم لم تكن قراراته موضع سك، لأن الضمير الذي يمليها، قد
بلغ من الورع، ومن الاستقامة، ومن الاخلاص والصدق أقصى ما
يبلغه ضمير منزه ورشيد..



لم يكن أمير المؤمنين عمر يأخذ على خالد من سوء، ولكنه كان
يأخذ على سيفه التسرّع، والحدّة..

ولقد عبّر عن هذا حين اقترح على أبي بكر عزله اثر مقتل مالك بن
نويرة، فقال:

" ان في سيف خالد رهقا"

أي خفة وحدّة وتسرّع..

فأجابه الصدّيق قائلا:

" ما كنت لأشيم سيف سلّه الله على الكافرين".

لم يقل عمر ان في خالد رهقا.. بل جعل الرهق لسيفه لا لشخصه،
وهي كلمات لا تنمّ عن أدب أمير المؤمنين فحسب، بل وعن تقديره
لخالد أيضا..

وخالد رجل حرب من المهد الى اللحد..

فبيئته، ونشأته، وتربيته وحياه كلها، قبل الاسلام وبعده كانت
كلها وعاء لفارس، مخاطر، داهية..


ثم ان الحاح ماضيه قبل السلام، والحروب التي خاضها ضد الرسول
وأصحابه، والضربات التي أسقط بها سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة،
وجباها عابدة، كل هذا كان له على ضميره ثقل مبهظ، جعل سيفه
توّاقا الى أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حملة
الاسلام..

وانكم لتذكرون العبارة التي أوردناها أوّل هذا الحديث والتي
جاءت في سياق حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال
له:

" يا رسول الله..

استغفر لي كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل الله".

وعلى الرغم من انباء الرسول صلى الله عليه وسلم اياه، بأن
الاسلام يجبّ ما كان قبله، فانه يظل يتوسل على الظفر بعهد من
الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله له فيما صنعت من قبل
يداه..

والسيف حين يكون في يد فارس خارق كخالد بن الوليد، ثم يحرّك
اليد القابضة عليه ضمير منوهج بحرارة التطهر والتعويض، ومفعم
بولاء مطلق لدين تحيط به المؤمرات والعداوات، فان من الصعب على
هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة، وحدّته الخاطفة..



وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه المتاعب.

فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح الى بعض قبائل
العرب القريبة من مكة، وقال له:

" اني أبعثك داعيا لا مقاتلا".

غلبه سيفه على أمره ودفعه الى دور المقاتل.. متخليا عن دور
الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله عليه السلام ينتفض جزعا
وألما حين بلفه صنيع خالد.. وقام مستقبلا القبلة، رافعا يديه،
ومعتذرا الى الله بقوله:

" اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد".

ثم أرسل عليّا فودى لهم دماءهم وأموالهم.

وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدالله بن حذافة السهمي قال
له:

ان رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم عن الاسلام..

كان خالد يحمل طاقة غير عادية.. وكان يستبد به توق عارم الى
هدم عالمه القديم كله..

ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه.

لو أننا نبصره وهو يدمدم بمعوله على هذه البناية الحجرية،
لأبصرنا رجلا يبدو كأنه يقاتل جيشا بأسره، يطوّح رؤوس أفرداه
ويتبر بالمنايا صفوفه.

فهو يضرب بيمينه، وبشماله، وبقدمه، ويصيح في الشظايا
المتناثرة، والتراب المتساقط:

" يا عزّى كفرانك، لا سبحانك

اني رأيت الله قد أهانك"..!!

ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها..!

كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه في نظر خالد كالعزّى لا مكان لها
في العالم الجديد الذي وقف خالد تحت أعلامه..

ولا يعرف خالد أداة لتصفيتها الا سيفه..

والا.." كفرانك لا سبحانك..

اني رأيت الله قد أهانك"..!!



على أننا اذ نتمنى مع أمير المؤمنين عمر، لوخلا سيف خالد من
هذا الرهق، فاننا سنظل نردد مع أمير المؤمنين قوله:

" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"..!!

لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا، وعلم الانس فيما بعد أنه لم
يكن يبكي فقده وحسب، بل ويبكي فرصة أضاعها الموت عن عمر اذ كان
يعتزم رد الامارة الى خالد بعد أن زال افتتان الناس به. ومحصت
أسباب عزله، لولا أن تداركه الموت وسارع خالد الى لقاء ربه.

نعم سارع البطل العظيم الى مثواه في الجنة..

أما آن له أن يستريح..؟؟ هو الذي لم تشهد الأرض عدوّا للراحة
مثله..؟؟

أما آن لجسده المجهد أن ينام قليلا..؟؟ هو الذي كان يصفه
أصحابه وأعداؤه بأنه:

" الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام"..؟؟

أما هو، فلو خيّر لاختار أن يمدّ الله له في عمره مزيدا من
الوقت يواصل فيه هدم البقايا المتعفنة القديمة، ويتابع عمله
وجهاده في سبيل الله والاسلام..

ان روح هذا الرجل وريحانه ليوجدان دائما وابدا، حيث تصهل
الخيل، وتلتمع الأسنّة، وتخفق رايات التوحيد فوق الجيوش
المسلمة..

وأنه ليقول:

" ما ليلة يهدى اليّ فيها عروس، أو أبشّر فيها بوليد، بأحبّ
اليّ من ليلة شديدة الجليد، في سريّة من المهاجرين، أصبح بهم
المشركين"..

من أجل ذلك، كانت مأساة حياته أن يموت في فراشه، وهو الذي قضى
حياته كلها فوق ظهر جواده، وتحت بريق سيفه...


هو الذي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقهر أصحاب الردّة،
وسوّى بالتراب عرش فارس والروم، وقطع الأرض وثبا، في العراق
خطوة خطوة، حتى فتحها للاسلام، وفي بلاد الشام خطوة خطوة حتى
فتحها كلها للاسلام...

أميرا يحملشظف الجندي وتواضعه.. وجنديا يحمل مسؤولية الأمير
وقدوته..

كانت مأساة حياة البطل أن يموت البطل على فراشه..!!

هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه:

" لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع الا وفيه ضربة
سيف أو طعنة رمح، أ، رمية سهم..

ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت
أعين الجبناء"..!

كلمات لا يجيد النطق بها في مثل هذا الموطن، الا مثل هذا
الرجل، وحين كان يستقبل لحظات الرحيل، شرع يملي وصيّته..

أتجرون الى من أوصى..؟

الى عمر بن الخطاب ذاته..!!

أتدرون ما تركته..؟

فرسه وسلاحه..!!

ثم ماذا؟؟

لا شيء قط ، مما يقتني الناس ويمتلكون..!!

ذلك أنه لم يكن يستحزذ عليه وهو حيّ، سوى اقتناء النصر وامتلاك
الظفر على أعداء الحق.

وما كان في متاع الدنيا جميعه ما يستحوذ على حرصه..

شيء واحد، كان يحرص عليه في شغف واستماتة.. تلك هي قلنسوته"..

سقطت منه يوم اليرموك. فأضنى نفسه والناس في البحث عنها.. فلما
عوتب في ذلك قال:

" ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله واني أتافاءل بها،
وأستنصر".


وأخيرا، خرج جثمان البطل من داره محمولا على أعناق أصحابه
ورمقته أم البطل الراحل بعينين اختلط فيهما بريق العزم بغاشية
الحزن فقالت تودّعه:

أنت خير من ألف ألف من القو م اذا ما كبت وجوه الرجال

أشجاع..؟ فأنت أشجع من لي ث غضنفر يذود عن أشبال

أجواد..؟ فأنت أجود من سي ل غامر يسيل بين الجبال


وسمعها عمر فازداد قلبه خفقا.. ودمعه دفقا.. وقال:

" صدقت..

والله ان كان لكذلك".

وثوى البطل في مرقده..

ووقف أصحابه في خشوع، والدنيا من حولهم هاجعة، خاشعة، صامتة..

لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت
رسنها، وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها، يقودها
عبيره وأريجه..


واذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب لوت برأسها كالراية،
وصهيلها يصدح.. تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها، يهدّ
عروش فارس والروم، ويشفي وساوس الوثنية والبغي، ويزيح من طريق
الاسلام كل قوى التقهقر والشرك...

وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط، ملوّحة
لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع..!!

ثم مقفت ساكنة ورأسها مرتفع.. وجبهتها عالية.. ولكن من آقيها
تسيل دموع غزار وكبار..!!

لقد وقفها خالد مع سلاحه في سبيل الله..

ولكن هل سيقدر فارس على أن يمتطي صهوتها بعد خالد..؟؟

وهل ستذلل ظهرها لأحد سواه..؟؟

ايه يا بطل كل نصر..

ويا فجر كل ليلة..

لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لجندك:

" عند الصباح يحمد القوم السرى"..


حتى ذهبت عنك مثلا..

وهأنتذا، قد أتممت مسراك..

فلصباحك الحمد أبا سليمان..!!

ولذكراك المجد، والعطر، والخلد، يا خالد..!!

ودعنا.. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي
ودّعك بها ورثاك:

" رحم الله أبا سليمان

ما عند الله خير مما كان فيه

ولقد عاش حميدا

ومات سعيدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رجال حول الرسول صلي اللة علية وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اسف لاننى احببتك بصدق :: اسلاميات :: حبيبي يا رسول الله-
انتقل الى: