لقد حاول الإنسان منذ القدم أن يعرف ما هي الروح وما هو الموت، ومع عصر التفجر العلمي في القرن العشرين بدأ الإنسان بالاستعانة بالأجهزة العلمية الدقيقة في دراسة الروح... واعترفت الكثير من الجامعات العلمية بهذا العلم في أوروبا وأمريكا فخصصت له مقعداً للتدريس والتعليم مع غيره من الظواهر التي تسمى ما وراء الطبيعة. وكان أولها في جامعة كامبردج سنة 1940م ثم اكسفورد سنة 1943م ثم تتابعت الجامعات.
كذلك تكونت جمعيات أهلية كثيرة في أنحاء العالم من الهواة والباحثين الجادين تتبادل الدراسات والتجارب العلمية. ولها مجلات دورية مثل المجلة الروحية في أمريكا وإنجلترا... وهم يعقدون الكثير من المؤتمرات والندوات تماماً كما تفعل الجماعات الطبية والعلمية ويتبادلون آخر ما توصلوا إليه من علم.
ومن أوائل التجارب التي كانوا يجرونها أن يضعوا إنساناً يحتضر على جهاز به ميزان لتقدير وزن الروح بعد خروجها من الجسم ويضعون على رأسه جهاز (eeg)لقياس ذبذبات المخ الكهربائية أثناء الوفاة وعلى قلبه جهاز لرسم القلب (eeg)كذلك وضعوا كاميرات خاصة تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتصوير الروح أثناء خروجها (infra red photography)حيث وجد أنها لا تظهر بالضوء العادي. ( 1 ).
وقد وجد العلماء إرتباطاً كبيراً بين علم الأرواح وعلم التنويم المغناطيسي (hypnosis)وعلم التخاطر (telepathy)وهو علم نقل الأفكار عن بعد وأيضاً علوم دراسة الأشباح والجن.
ولم يعد علم الأرواح قاصراً على التسلية والهواية أو كشف المجهول... بل دخل مجال العلاج الطبي وخاصة في الأمراض التي عجز الطب الحديث عن شفائها مثل الصرع والجنون والشيزوفرينيا ( 2 ) وألفت في ذلك الكثير من الكتب والمجلات وبعضهم استطاع إجراء عمليات جراحية بالأرواح وإخراج الأورام من جسم الإنسان في مؤتمر عام وبشهود من الأطباء.
وتعرف الروح في نظر العالم أنها عبارة عن موجات ذات تردد عالي وأنها موجودة بيننا في كل مكان وفي العالم الأثيري... ولكننا لا نراها ولا نسمع صوتها بسبب عجز العين البشرية والأذن عن ذلك... فقد ثبت علمياً أن العين البشرية لا ترى إلا في حدود معينة هي ألوان الطيف. فالضوء الأحمر الذي نراه بالعين له ذبذبة ( 4×10 10) = 400 ألف مليون ذبذبة / ثانية...
أما الضوء ( تحت الأحمر infra red)فهو أقل من ذلك فلا تراه العين، والضوء البنفسجي له تردد ( 7× 10 10 ) = 700 ألف مليون ذبذبة / ثانية فإنه زاد عن ذلك في فوق البنفسجية فلا تراها: وقد قدروا الأرواح بأنها ذبذبة أعلى من فوق البنفسجية وأقل من الذبذبة (ray×).
ونفس الشيء بالنسبة للأذن البشرية التي تسمع فقط من 20 ذبذبة / ثانية وحتى 000 و20 ذبذبة وما زاد عن ذلك فلا تسمعه، وقد ثبت بالتجربة أن بعض الحيوانات كالكلاب والقطط والخيل تسمع أكثر مما يسمعه الإنسان، ولذلك تراها تجفل أو تصرخ فجأة لأنها تسمع ما لا نسمعه نحن...
ويقسم علماء الأرواح الأدلة إلى نوعين ذهني (mental)ومادي (phlysical)فمن النوع الأول الذهني ظاهرة التخاطر (telesphy).وظاهرة الرؤية عن بعد (clain voiance)وظاهرة الخطاب المباشر الذي تستعمل فيه الروح حنجرة الوسيط ونتكلم بلغتها الأصلية التي قد لا يعرفها الوسيط.
أما الأدلة المادية فمنها نظرية التجسيد (materialization)،ونظرية رفع الأشياء (lev - itation)،ونظرية التصوير الروحي (psychic photography)وهو علم جديد ظهر في السنوات الأخيرة فقط بعد اختراع أفلام خاصة.
وآخر ما وصلت إليه الدراسات في ماد (d.n.a)التي يعتقد العلماء أنها تمثل سر الحياة والروح في الخلية الحية واكتشاف تركيبها الكيميائي، وقد نال الكشف عن ذلك جائزة نوبل.
ورغم كل هذه الأبحاث والإنجازات فما زالت الإنسانية في أول الطريق وما زال موضوع الروح أحد الأسرار الغامضة على العلم، وما يزال الدين هو مصدر العلم الرئيسي عن سر الروح.
الجانب الديني:
لم يرد أي تعريف للروح في التوراة أو الإنجيل وإنما استعملت هذه الكلمة بأوصاف أخلاقية ومعنوية مثل الروح الشريرة أي: الشيطان والروح الرضية التي تفرق بين الناس والروح الخفية كالملائكة واستعمل لفظ الروح القدس عن الله.
وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في قومه وأعلن النبوة ذهب بعضهم إلى اليهود يسألونهم في أمر يمتحنون به هذا النبي فطلبوا منهم أن يسألوه في أمر لم يخبر به أي نبي من قبله وهو الروح. فلما سئل الرسول في ذلك أمهلهم حتى يأتيه فإذا بالقرآن يرد عليهم )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([الإسراء: 85].والمعنى العلمي لهذه الآي أن الروح أمر يصعب على البشر أن يفهموه لأنه أكبر من علمهم وعقولهم ومهما أوتي الإنسان من العلم لن يفهم حقيقة الروح، وهذا هو السر في هذا الرد المقتضب حتى لا يقع الناس في البلبلة والظنون وينشغلوا عن الدعوة الجديدة بأمور فلسفية وقد ذهب المفسرون بعد ذلك إلى شتى التفاسير فمنهم من قالوا: إن هذا الرد معناه: نهى المسلمين عن الدراسة والعلم بهذه القضية... بينما ذهب الأكثرية بأنها لم تنص على القول: ( قل الروح من علم ربي ) بل نصت: ( من أمر ربي ) والفارق بينهما كبير وواضح ومن هنا فلم يتوقف علماء المسلمين عن الكتابة والدراسة في هذا الموضوع من ذلك كتاب ( الروح لابن سينا ) وكتاب ( الروح لابن القيم ) وعشرات الكتب على مر العصور.
وهذه بعض القضايا عن الروح التي ذكرت في القرآن وجاء العلم الحديث لتأكيدها:
أولاً: أننا لا نرى الأرواح ولا نسمع صوتها لا لأنها غير موجودة ولكن لقصور في العين البشرية والأذن البشرية عن إدراكها وقد شرحنا ذلك علمياً... والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة فيذكر أن هناك أشياء كثيرة حولنا لا نراها بأعيننا فيقول تعالى: )فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ([الحاقة: 38 ـ 39]. ومن الإعجاز القرآني:أن الله تعالى يقسم قسماً بكمية الأشياء التي لا نبصرها بأعيننا حيث قدر العلم الحديث أن نسبة ما تبصره العين البشرية إلى ما لا تبصره هو 1: 10 مليون وهذه نسبة مهولة ما كان أحد يتصورها أو يعقلها وقت نزول القرآن وهذا هو مغزى القسم العظيم.
ثانياً: والإسلام لا يقف عند هذه الظاهرة حيث عجز العلم الحديث عن تفسيرها فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الروح: ( يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق ) البخاري.
فالله تعالى خلق العين والأذن البشرية لا ترى ولا تسمع الأرواح.. حتى لا يصاب الإنسان بالهلع والذعر من سماعها وهذا أمر بديهي ورحمة من الله تعالى بالبشر الأحياء... فطالما كانت الصلة المادية بين الإنسان والأرواح منقطعة ولا يمكن لمسهم أو التحدث معهم في الظروف العادية... فلا شك أننا نصاب بالفزع إذا رأيناهم أو سمعناهم دون أن نستطيع لمسهم.
والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حتى مع الأنبياء: فقد فزع سيدنا إبراهيم حين زاره الملائكة... فمد إليهم يده بالطعام ولكنه لم يجد لهم جسداً يمكن أن يلمسه ففزع منهم وفي ذلك يقول تعالى:
)فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ([هود: 70].وتفسير ذلك: أن الملائكة كالأرواح ليس لها جسد يمكن لمسه باليد. ونفس الشيء حدث مع سيدنا لوط عندما زاره الملائكة في بيته ففزع منهم )ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً ([هود: 77].
ثالثاً: ومن الإعجاز العلمي في الإسلام أنه أول من أشار إلى حقيقة أن بعض الحيوانات كالخيل والكلاب تستطيع أن ترى الأرواح وتسمع صوتها دون البشر فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم صهيل الخيل ونباح الكلاب بعد هدأة الليل فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها ترى ما لا ترون ).
وهذه الحقيقة العلمية لم تكتشف إلا في أواخر القرن العشرين بعد اختراع أجهزة الضوء أو السمع ذات التردد العالي.. وقد اخترعت ( صفارة الكلاب ) والتي يسمعها الكلب ولا يسمعها الإنسان وأصبحت إحدى وسائل التدريب والتجارب العلمية...
رابعاً: ويؤكد العلم الحديث أن الأرواح لا يمكنها الظهور أو الإتيان بأي عمل ملموس في جلسة الأرواح إلا في وجود الظلام أو على الأكثر ضوء أحمر ضعيف... وتعليل ذلك: أن الروح عبارة عن ذبذبات ضوئية وصوتية تتكسر في وجود الضوء العادي أو الصوت العادي... ولذلك فإن جلسات تحضير الأرواح لا تعقد إلا ليلاً وفي الليالي القمرية الهادئة التي لا يوجد بها برق ورعد. وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة قبل أن يكتشفها العلم حيث يقول: ( أقلوا الخروج في هدأة الليل فإن لله دواباً يبثهن في هذه الساعة ). ومعنى هدأة الليل: هو الجمع بين الظلام والهدوء فهو إيجاز بلاغي.
يتبع